اليمن: 57 قتيلا وأكثر من ألف جريح في تعز برصاص الحرس الجمهوري والأمن
فهيم المعقري
واصلت قوات الأمن اليمنية هجماتها على المعتصمين في محافظة تعز ، وخلفت هجماتها عشرات القتلى ومئات الجرحى وسط احتجاجات شعبية عارمة منددة بما يتعرض له المعتصمون.
وقالت مصادر طبية في تعز إن ما لا يقل عن 57 قتلوا برصاص الأمن المركزي والحرس الجمهوري ومجاميع «البلطجية» بالاضافة الى أكثر من الف جريح،
كما أضاف أحد أطباء المستشفى الميداني في تعز لوكالة الأنباء الألمانية إن عدد القتلى مرشح للزيادة نظرا لخطورة حالات الإصابة، في الوقت ذاته سقط مئات الجرحى في محاولات حثيثة للقوات الحكومية لاقتحام «ساحة الحرية» التي يعتصم فيها عشرات الآلاف من المطالبين بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، ففي وقت متأخر من مساء أول من أمس، هاجمت القوات الحكومية الساحة معززة بالمصفحات وقامت بإطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وتعرضت الكثير من خيام المعتصمين للحرق، وحسب متظاهرين فقد عثر على جثث محتجين متفحمة داخل خيامهم، وقال المتظاهرون إن من احترقوا داخل الخيام هم من المعاقين حركيا، وأظهرت مقاطع فيديو بثت على شبكة الإنترنت صور قناصة يعتلون أسطح البنايات المرتفعة وهم يطلقون النار على المتظاهرين، ومسلحين آخرين وهم يحتلون بعض المحال التجارية التي يلجأون إليها بعد إطلاقهم النار.
وأشارت مصادر طبية إلى أن قوات الأمن والجيش اقتحمت مستشفى الصفوة الكائن إلى جوار ساحة الاعتصام، الذي يقدم خدماته الطبية للمصابين، وأشارت المصادر إلى أن القوة المقتحمة استولت على أجهزة طبية حديثة من المستشفى وعبثت بأخرى، وقدرت المصادر الخسائر التي تعرض لها المستشفى بقرابة نصف مليار ريال يمني، إضافة إلى القيام باعتقال بعض الجرحى والمصابين.
وأثارت «الاعتداءات» الأمنية على المعتصمين في تعز، ردود فعل شعبية وسياسية غاضبة ومنددة، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة صنعاء ومحافظات: الحديدة، عدن، إب، حضرموت، شبوة، صعدة والبيضاء، وغيرها من المحافظات والمدن الرئيسية والثانوية، وطالب المتظاهرون بمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح وأركان نظامه وبعض القادة الأمنيين على «الجرائم» التي ارتكبت بحق المعتصمين، وفي صنعاء، أصدر برلمانيون بيانا ، نددوا فيه بما تقدم عليه قوات الرئيس صالح، واعتبروا ما حدث في تعز بأنه جاء بعد الهزائم التي تعرضت لها قوات الأمن والجيش الموالية لصالح على يد رجال القبائل في صنعاء ونهم والحيمة الخارجية.
وعلى الصعيد الدولي، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من الأوضاع في اليمن، وقالت فاليري آموس، مسؤولة الشؤون الإنسانية وتنسيق الإغاثة والطوارئ بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: «أشعر بالقلق الشديد إزاء تصاعد أعمال العنف في اليمن، حيث سبب القتال العنيف في العاصمة صنعاء مقتل وجرح عشرات الأشخاص»، وأشارت إلى أن التقارير تتحدث عن نزوح الكثير من العائلات من المدن، وأضافت: «يساورني القلق من أن استمرار المواجهات سيدفع بأعداد كبيرة من الناس للفرار من ديارهم، مما يسبب عواقب إنسانية وخيمة»، وأكدت أن الكثير من المواطنين اليمنيين «يواجهون بالفعل نقصا في الغذاء والوقود وغيرها من الضرورات الأساسية».
وقالت المسؤولة الأممية، في بيان صادر عنها من نيويورك، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن الأمم المتحدة تراقب الوضع وتقف على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة إذا لزم الأمر، ودعت جميع الأطراف إلى «احترام المدنيين وتوفير الحماية لهم، واستثنائهم من المزيد من الأعمال العدائية».
وقد أدانت السفارة الأميركية بصنعاء ما وصفته بـ«الهجوم غير المبرر» على المتظاهرين سلميا في مدينة تعز، الذي خلف قتلى وجرحى من المتظاهرين، وقالت السفارة في بيان على موقعها على شبكة الإنترنت: «نشدد على دعوة الرئيس أوباما الأخيرة للرئيس صالح لتنفيذ التزامه بنقل السلطة فورا»، وأكدت على أن «السبيل للمضي قدما لا تأتي من خلال العنف»، وعلى أنه «ينبغي على الأطراف العمل معا ومع الشباب، الذين يمثلون مستقبل اليمن، لبناء دولة أكثر سلما وازدهارا وأمنا»، وقال البيان: «كما نشيد بالشباب المتظاهرين الذين أظهروا العزيمة وضبط النفس وأوصلوا وجهات نظرهم عبر الطرق السلمية». واستنكرت أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) أحداث تعز و«استمرار الرئيس صالح وما تبقى له من قوات عسكرية وأمنية وميليشيات مسلحة في ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية، المستهدفة شباب الثورة الشعبية السلمية في ساحات التغيير وميادين الحرية والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ في منازلهم وقراهم»، وأكدت، في بيان جديد صادر عنها، أن «هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، ويتم رصدها وتوثيقها، ولن يفلت من الملاحقة القضائية وعقاب العدالة مرتكبوها ومن دعمهم بالمال والسلاح».
وحملت المعارضة «صالح شخصيا مسؤولية جرائمه المستمرة ضد أبناء الشعب, الذي أصابته العزة بالإثم ولم تردعه صرخات الداخل والخارج بضرورة رحيله, منعا للمزيد من المجازر أو الزج بالبلاد في حرب أهلية هي في غنى عنها»، وجددت مناشداتها للأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي ومجلس الأمن لاتخاذ قرارات ومواقف حاسمة تحمي أبناء اليمن من هذه الهستيريا، وإيقاف نزيف الدم، وإحباط مخططات صالح الرامية لإحداث فوضى عارمة وإشعال الفتن والحروب التي بدأ تنفيذها في محافظة أبين ومناطق نهم والحيمة وأرحب والحصبة بالعاصمة صنعاء.
غير أن السلطات اليمنية، وفي تعليقها على أحداث تعز، اتهمت عناصر تابعة لأحزاب «اللقاء المشترك» وعناصر خارجة على النظام والقانون بمهاجمة مقر الإدارة المحلية لمديرية القاهرة، التي تقع «ساحة الحرية» بالقرب منها، وقالت إن شخصين من المهاجمين قتلا في تصدي قوات الأمن للهجوم، وقال مصدر رسمي إن المهاجمين «حاولوا اقتحام بعض المباني العامة المجاورة، واعتدوا على عدد من جنود الأمن، وقاموا باختطاف اثنين منهم واقتيادهما إلى ساحة الاعتصام بصافر واعتبروهما (أسيرين) لديهم، وكبلوهما بالحبال، وحققوا معهما وعذبوهما، ثم قاموا بشفط دمائهما بطريقة تنم عن عدائية مقيتة ووحشية لم يسبق أن شهد اليمن مثلها من قبل».
وأضاف المصدر الرسمي أن «تلك العناصر المسلحة التابعة لأحزاب المشترك، وفي سياق الأعمال والممارسات الخارجة عن القانون التي اعتادت القيام بها من خلال إثارة أعمال الشغب والفوضى والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، قامت بإحراق عدد من سيارات المواطنين بالقرب من مبنى السلطة المحلية بمديرية القاهرة، الذي سبق لتلك العناصر أن حاولت اقتحامه أكثر من مرة».
وعلى صعيد التطورات الميدانية في أبين، قالت مصادر رسمية يمنية إن قوات «اللواء 25 ميكا» التابع للحرس الجمهوري، تمكنت من اعتقال 10 من المسلحين الذين تخوض معهم مواجهات عنيفة منذ عدة أيام، والذين وصفتهم بـ«الإرهابيين»، وقال مصدر رسمي إن العناصر المقبوض عليهم قدموا إلى أبين من محافظتي مأرب والحديدة، وإنهم ينتمون لتنظيم القاعدة.
وذكرت وزارة الدفاع اليمنية أن «عناصر أجنبية أفغانية ومصرية من تنظيم القاعدة شاركت في عمليات الاعتداء على الوحدات الأمنية والعسكرية في مدينة زنجبار، التي تشهد حاليا مواجهات حاسمة بين قوات (اللواء 25 ميكا) ومعها قوات الأمن وبين تلك المجاميع الإرهابية التي كانت قد هاجمت عددا من المنشآت الحكومية والأمنية والبنوك وقامت بإحراق بعضها ونهب محتوياتها خلال اليومين الماضيين»، كما أشارت الوزارة إلى أنه جرى «ضبط قاطرة في مثلث زنجبار وعليها 96 صندوقا من قذائف (بي 10) كانت في طريقها للعناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة التي تمترست في بعض المباني والمواقع بمدينة زنجبار».
وفي الوقت الذي أكد شهود عيان فيه استمرار القصف الجوي لمواقع يتحصن فيها المسلحون الذين يسيطرون على عاصمة المحافظة، قالت مصادر عسكرية إن قوات الحرس الجمهوري، ومعها قوات الأمن المركزي، كبدت المسلحين خسائر كبيرة، وإنها وجهت لهم «ضربات موجعة» في المواجهات الدائرة، التي أدت إلى نزوح لعدد كبير من السكان عن المدينة.